سورة المائدة - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المائدة)


        


{لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28)}
والسؤال الأول: وهو أنه لم لم يدفع القاتل عن نفسه مع أن الدفع عن النفس واجب؟ وهب أنه ليس بواجب فلا أقل من أنه ليس بحرام، فلم قال: {إِنّى أَخَافُ الله رَبَّ العالمين}.
والجواب من وجوه:
الأول: يحتمل أن يقال: لاح للمقتول بأمارات تغلب على الظن أنه يريد قتله فذكر له هذا الكلام على سبيل الوعظ والنصيحة، يعني أنا لا أجوز من نفسي أن أبدأك بالقتل الظلم العدوان، وإنما لا أفعله خوفاً من الله تعالى، وإنما ذكر له هذا الكلام قبل إقدام القاتل على قتله وكان غرضه منه تقبيح القتل العمد في قلبه، ولهذا يروى أن قابيل صبر حتى نام هابيل فضرب رأسه بحجر كبير فقتله.
والوجه الثاني في الجواب: أن المذكور في الآية قوله: {مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِىَ إِلَيْكَ لاِقْتُلَكَ} يعني لا أبسط يدي إليك لغرض قتلك، وإنما أبسط يدي إليك لغرض الدفع.
وقال أهل العلم: الدافع عن نفسه يجب عليه أن يدفع بالأيسر فالأيسر، وليس له أن يقصد القتل بل يجل عليه أن يقصد الدفع، ثم إن لم يندفع إلا بالقتل جاز له ذلك.
الوجه الثالث: قال بعضهم: المقصود بالقتل إن أراد أن يستسلم جاز له ذلك، وهكذا فعل عثمان رضي الله تعالى عنه.
وقال النبي عليه الصلاة والسلام لمحمد بن مسلمة: ألق كمك على وجهك وكن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل.
الوجه الرابع: وجوب الدفع عن النفس أمر يجوز أن يختلف باختلاف الشرائع.
وقال مجاهد: إن الدفع عن النفس ما كان مباحاً في ذلك الوقت.
السؤال الثاني: لم جاء الشرط بلفظ الفعل، والجزاء بلفظ اسم الفاعل، وهو قوله: {لَئِن بَسَطتَ إِلَىَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِى مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ}.
والجواب: ليفيد أنه لا يفعل ما يكتسب به هذا الوصف الشنيع، ولذلك أكده بالباء المؤكد للنفي.


{إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29)}
وفيه سؤالان:
الأول: كيف يعقل أن يبوء القاتل بإثم المقتول مع أنه تعالى قال: {وَلاَ تَزِرُ وازرة وِزْرَ أخرى} [فاطر: 18].
والجواب من وجهين:
الأول: قال ابن عباس رضي الله عنهما وابن مسعود والحسن وقتادة رضي الله عنهم: معناه تحمل إثم قتلي وإثمك الذي كان منك قبل قتلي، وهذا بحذف المضاف، والثاني: قال الزجاج: معناه ترجع إلى الله بإثم قتلي وإثمك الذي من أجله لم يتقبل قربانك.
السؤال الثاني: كما لايجوز للإنسان أن يريد من نفسه أن يعصي الله تعالى فكذلك لا يجوز أن يريد من غيره أن يعصي الله، فلم قال: {إِنّى أُرِيدُ أَن تَبُوء بِإِثْمِى وَإِثْمِكَ}.
والجواب من وجوه:
الأول: قد ذكرنا أن هذا الكلام إنما دار بينهما عندما غلب على ظن المقتول أنه يريد قتله، وكان ذلك قبل إقدام القاتل على إيقاع القتل به، وكأنه لما وعظه ونصحه قال له: وإن كنت لا تنزجر عن هذه الكبيرة بسبب هذه النصيحة فلابد وأن تترصد قتلي في وقت أكون غافلاً عنك وعاجزاً عن دفعك، فحينئذٍ لا يمكنني أن أدفعك عن قتلي إلا إذا قتلتك ابتداءً بمجرد الظن والحسبان، وهذا مني كبيرة ومعصية، وإذا دار الأمر بين أن يكون فاعل هذه المعصية أنا وبين أن يكون أنت، فأنا أحب أن تحصل هذه الكبيرة لك لا لي، ومن المعلوم أن إرادة صدور الذنب من الغير في هذه الحالة وعلى هذا الشرط لا يكون حراماً، بل هو عين الطاعة ومحض الاخلاص.
والوجه الثاني في الجواب: أن المراد: إني أريد أن تبوء بعقوبة قتلي، ولا شك أنه يجوز للمظلوم أن يريد من الله عقاب ظالمه، والثالث: روي أن الظالم إذا لم يجد يوم القيامة ما يرضي خصمه أخذ من سيئات المظلوم وحمل على الظالم، فعلى هذا يجوز أن يقال: إني أريد أن تبوأ بإثمي في أنه يحمل عليك يوم القيامة إذا لم تجد ما يرضيني، وبإثمك في قتلك إياي، وهذا يصلح جواباً عن السؤال الأول، والله أعلم.


{فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30)}
ثم قال المفسرون: سهلت له نفسه قتل أخيه.
ومنهم من قال شجعته، وتحقيق الكلام أن الإنسان إذا تصور من القتل العمد العدوان كونه من أعظم الكبائر، فهذا الاعتقاد يصير صارفاً له عن فعله، فيكون هذا الفعل كالشيء العاصي المتمرد عليه الذي لا يعطيه بوجه ألبتة، فإذا أوردت النفس أنواع وساوسها صار هذا الفعل سهلاً عليه، فكأن النفس جعلت بوساوسها العجيبة هذا الفعل كالمطيع له بعد أن كان كالعاصي المتمرد عليه. فهذا هو المراد بقوله: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ} قالت المعتزلة: لو كان خالق الكل هو الله تعالى لكان ذلك التزيين والتطويع مضافاً إلى الله تعالى لا إلى النفس.
وجوابه: أنه لما أسندت الأفعال إلى الدواعي، وكان فاعل تلك الدواعي هو الله تعالى فكان فاعل الأفعال كلها هو الله تعالى.
ثم قال تعالى: {فَقَتَلَهُ} قيل: لم يدر قابيل كيف يقتل هابيل، فظهر له إبليس وأخذ طيراً وضرب رأسه بحجر، فتعلم قابيل ذلك منه، ثم إنه وجد هابيل نائماً يوماً فضرب رأسه بحجر فمات.
وعن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها» وذلك أنه أول من سن القتل.
ثم قال تعالى: {فَأَصْبَحَ مِنَ الخاسرين} قال ابن عباس: خسر دنياه وآخرته، أما الدنيا فهو أنه أسخط والديه وبقي مذموماً إلى يوم القيامة، وأما الآخرة فهو العقاب العظيم. قيل: إن قابيل لما قتل أخاه هرب إلى عدن من أرض اليمن، فأتاه إبليس وقال: إنما أكلت النار قربان هابيل لأنه كان يخدم النار ويعبدها، فإن عبدت النار أيضاً حصل مقصودك، فبنى بيت نار وهو أول من عبد النار.
وروي أن هابيل قتل وهو ابن عشرين سنة، وكان قتله عند عقبة حراء، وقيل بالبصرة في موضع المسجد الأعظم، وروي أنه لما قتله اسود جسده وكان أبيض، فسأله آدم عن أخيه، فقال ما كنت عليه وكيلاً، فقال بل قتلته، ولذلك اسود جسدك، ومكث آدم بعده مائة سنة لم يضحك قط.
قال صاحب الكشاف يروى أنه رثاه بشعر.
قال وهو كذب بحت، وما الشعر إلا منحول ملحون، والأنبياء معصومون عن الشعر، وصدق صاحب الكشاف فيما قال. فإن ذلك الشعر في غاية الركاكة لا يليق بالحمقى من المعلمين، فكيف ينسب إلى من جعل الله علمه حجة على الملائك.

6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13